الجمعة، مارس 30، 2012

" لـودايـة "
 مدينة وجدة، على غرار باقي مدن المملكة، قد لا يختلف فيها اثنان على المسار اليومي الرتيب لحياة الإنسان العادي، مسار شيمته الملل و لا شيء فيه يتغير. لا تشرق الشمس إلا لتجد نفس معالم المدينة راسخة بكل أوصافها و قد منحت ظهرها لعوامل التعرية لتمارس عليها و ظيفتها. أما شخوص الجيرة، فهي نفس الوجوه بنفس التقاسيم تعلوها علامات الضجر البادية على سحنهم. لا وجود بالمدينة لمتنفس بمقدوره أن يستوعب هذا الكم الهائل، اللهم إذا استثنينا بعض المرافق المحروسة و التي تكاد تكون مخصصة لشريحة دون غيرها. تبقى المقاهي التي تزدحم بها البلاد و يعمل أربابها على أن يلبسوها أحلى الحلل و يجهزوها بأجود و أحدث التجهيزات  هي الملاذ الوحيد الذي نصب فيه جام غضبنا، حيث نصطنع لنفسنا ما يشبه المرح لنستعين به  على حرق بعض الروتين لبعض الوقت ليس إلا...و انتظاره حتى يقوم من رماده كطائر الفينيق، لتستمر عجلة الرتابة في الدوران إلى أن يقضي الله أمرا كان مقضيا. على ذكر المقاهي، لا تحلو (معاقرة) كؤوس الشاي أ و فناجين القهوة "نص..نص" إلا بباحة مقهى "لوداية"، المنتصبة بمكان شاعري أضفى عليها جمالا من نوع خاص. مقهى تؤمه كل الوجوه بمختلف انتماءاتها، تجهيزاتها البسيطة، المتواضعة تصب في خانة المعاصرة إلا أنها لا تخلو من عبق الأصالة  بحكم موقعها قرب "باب الغربي"،  المعلمة التاريخية للمدينة. إحساس غريب ينتابك و أنت تطلب مشروبك المفضل من النادل، و حبذا لو كان هذا الأخير"مولاي أحمد" ذاك الشخص الأنيق ذو البسمة البهية و الوجه البشوش. تجده لطلبك ملبيا و لشخصيتك مراعيا و على خدمتك صاهرا، كل هذا و البسمة لا تفارق محياه و كأنها عدة من أدوات عمله.  "مولاي أحمد" أو- مولاي- كما يحلو لأحبته أن ينادوه رجل في عقده الرابع، أسمر البشرة، أبيض القلب، خفيف الظل لا تخلو أقواله و أفعاله من الدعابة و المرح، تجده يمازح هذا و يداعب ذاك، يحمل صينيته المملوءة بشتى أنواع المشروبات و يمر بها بين أرائك رواد  المقهى  بحركات حرفية رائعة. مقهى "لوداية" بالنسبة لي جزءا من الرباعي المقدس:      ( المسجد - الدار – المكتب – المقهى) حتى و إن صنفت في آخره، تبقى مكتسية صبغة بالغة الأهمية بفضل فضائها الرحب وخدماتها الرائعة ناهيك عن نوعية الزبناء  الدين يرتادونها، حيث تجدهم و على مختلف أنماطهم أناس طيبون و مسالمون منهم أدباء و مفكرون، رياضيون و آخرون مهتمون بقضايا الساعة، أعينهم متسمرة على شاشة التلفاز و هي تنقل أحداث الكون عبر قناة الجزيرة الإخبارية. كل ثلة منهم أخدت لها حيزا دأبت على استعماله فضاءا للراحة و المناقشة المجدية، التي متى وصلت ذروتها، تجعلهم يتصرفون على غير عاداتهم، فتتعالى القهقهات الصاخبة و الحركات ألا إرادية تعقبها بين الفينة و الأخرى المناداة على مولاي أحمد ليشرفهم بمملكة "الصينية" يتوسطها الإبريق بجلال قدره وقد امتلأت بطنه بسائل الشاي الذي يعمل على تكييف الأدمغة ليجعلها تشتغل بنشاط منقطع النظير. إيمانا مني بأنه أينما فاح أريج العلم بقدسيته و احتشدت من حوله الأدمغة تبتغي النهل حتى ولو كان المكان مقهى لوداية، حق له أن يزار وأن يشد إليه الرحال.

بقلم: ذ. القدميري  محمد

ليست هناك تعليقات: