الاثنين، أبريل 30، 2012

الأحد، أبريل 29، 2012


حَرِّرْني

قصّة : كريستيان إيبال
تعريب : محمد فطومي

وداعا يا صديقي.

أرأيت؟ها أنذا أبكي..

لكنّ دمعة لن تستطيع غسل مشاعري الوسخة...

لو كان على الأقلّ بوسعي أن لا أحتفظ سوى بفرح طفولتنا و مراهقتنا اللاّمبالية ؛لكنّه وهم.و الحقيقة أنّ حطّتي تلفّني كشرنقة.لأنّي لم أرافقك حتّى النّهاية.تلك النّهاية التي طالما أفزعتني.

هل تسمعني؟أعترف بذنبي،حتّى و إن لم أكن موجودا ساعة اندلع الشرّ.

إحساس بالخزي.هذا صحيح.. بالثّورة أيضا!

لست أدينك يا صديق..و كيف أفعل؟

حين تكون الحياة عبئا ثقيلا يسحقك،و شعورٌ لعينٌ بالضّيق يلغي كلّ ذرّة أمل لديك،و لا يكون أمامك غير ارتباك الحواسّ ،و لا يكون لديك رفقاء عدا الكآبة و الوحدة..حين يحلو الموت،و تُرفض استغاثاتك من أجل العتق...ستسقط حيّا في الجحيم.

لم تقل لي شيئا.لم أر أبعد من حزنك،كنت مشغولا بشبابي و مغامراتي.

أهو جرم أن يعلم أحدنا أن لا أمل له في الشّفاء فيرغب في حسم آلامه؟.حسب القانون نعم،و حسب رجال الدّين نعم.

لم يبق إذن غير الضّمير لنتعلّق به.و بين الانتحار و الوجع اخترتَ الوجهة الأكثر إنسانيّة.

و لكن لماذا؟لم الضّراوة و لم كانوا حازمين معك إلى هذا الحدّ؟لماذا؟

ثمّة نهايات علينا لصالح أصحابها أن نستخفّ بها.

جرأتك مدّتهم بالحجّة و قرّروا أن تعيش.لكن بأيّ ثمن؟

كنتَ رجلا مضرّجا بالجروح و الكسور و الأنين و العاهات..رجلا غير قادر على أن يتصّرف في أيّ شيء بمفرده.

محنتك بدأت من هناك.جسد و قلب مكسوران..تعذيب مستمرّ،لا يتوقّف،أن أراقبك تهوي..أن أفقد ذكرانا و ومضاتك ،الواحدة تلو الأخرى؛ لحظاتك مع أصدقائك،عائلتك،و كلّ الذين أحبّوك.. أن أراك تنزلق في كلّ لحظة أكثر نحو القاع و نحو اليأس و الخوف و الأسوىء و النّسيان..

أحدا عشر سنة بلا هوادة..أحدا عشر سنة.

محنة مشتركة و سخيّة،جمعت أقاربك و عائلتك و أصدقاءك.

محنة لم تستثنني ،بلا ريب.أنا الذي لم أدر كيف أساعدك،أنا الذي عانيت لأنّك تعاني،أنا الذي تركك تتعذّب بسلام...

أنا الذي رفض كما عمدا أن يفهم نداءك المذبوح..

كنت أعزّ أصدقائك.

سامحني..أتدري؟كنت مجرّد طفل.كنت خاوي الحيلة تماما،و منقبضا جدّا..

ثمّ ما فائدة الذّرائع...

إنّ لي أمنية واحدة.أن لا تكون قد وعيت بذبولك حتّى العمق.أو بأنّك تفنى ،أو بعذاباتنا بسببك ..أو أن تكون قد وعيت على وجه الخصوص بغيابي..

و لست نادما سوى على أمر واحد؛أنّي لم أهتمّ بك ما يكفي لأجعلك تختار الحياة.

أخيرا مِتّ.أخيرا تحرّرتَ.

و عارضتُ المجتمع بعدك من أجلك لأنّه لا يسمح بتلطيف الموت للماضين نحوه لا محالة، الذين يمزّقهم المرض.و انتقدّته بشدّة لأنّه لا يؤنس هؤلاء أو يحنو عليهم.

ثمّ أرسلتك في خيالي إلى الجنّة، بالرّغم من أنّ نظراتك المتوسّلة لا شيء يمحوها.

بعد كلّ هذا..لا يهمّ ما إذا كنت قد تأخّرت أو قصّرت في حقّك،فقط وددت أن تعلم كم أفتقِدُك و كم أحببتك.


****


كريستيان إيبال

Christian Epalle

كاتب فرنسيّ ولد سنة 1965 يعنى بالقصّة القصيرة و المقالات الفلسفيّة ،و يعرف بميله لأعمال الخيال العلمي.
من الادب العالمي:

الجرة ذات الصدع

كان لسقاء هندي حمال ، جرتان كبيرتان، تتأرجان على طرفي قطعة خشبية يضعها نيرا على رقبته ، يهد ثقلاهما منكبيه
و كان في أحدى الجرتين صدع ، وبينما كانت الثانية سليمة ، تحفظ كل ما بداخلها من النبع حتى بيت السيد ، كانت ذات الصدع تضيع نصف ما بداخلها من ماء أثناء الرحلة.
وفي كل يوم ، خلال عامين ، كان حمال الماء السقاء ، لا ينقل إلا جرة ونصفا ،في كل رحلة من رحلاته بين النبع وقصر السيد .
كانت الجرة السليمة فخورة ، سعيدة ، متباهية، لأنها كانت تؤدي وظيفتها على أكمل وجه ، من البداية إلى النهاية ، بينما كانت الجرة ذات الصدع ، مكسورة الخاطر حزينة ، لشعورها بالتقصير عن أداء وظيفتها على أكمل وجه، بسبب تضييعها مياها ثمينة تعب صاحبها في حملها، دون أن تمكنه من إيصالها إلى غايتها
وفي نهاية السنتين ، كان الشعور بالذنب قد سكن كل ذرة في الجرة ذات الصدع ، وتيقنت من فشلها ، واستولى عليها اليأس ، فتوجهت إلى حمال الماء وهو يعبؤها في النبع قائلة :
- أشعر بأنني مذنبة ،وأسألك العفو والمغفرة، يا سيدي.
- لمأذا؟ وعلى ماذا؟ سألها الحمال .
- ما الذي يخجلك؟.
قالت : لم أفلح إلا في حمل نصف ما كان يتوجب علي حمله إلى سيدنا في قصره خلال العامين، بسبب هذا الصدع اللعين ، فجعلت جزءا كبيرا من تعبك يذهب هباء ، وحرمتك بذلك من الحصول على ثمار جهودك المضنية.
هز قول الجرة ذات الصدع أعماق الحمال، فأجابها بعد إطراق وتدبر.
في طريق عودتنا الآن إلى قصر السيد، أريد منك أن تنظري الأزهار النظرة الآسرة المشرئبة في زهو على طول الدرب الصاعد على الرابية.
وفي طريق العودة، نظرت الجرة ذات الصدع فرأت أزهارا غضة ، نضرة ، رائعة الجمال، تستحم تحت نور الشمس على حافة الدرب ،توزع عطرها هدية للعابرين ، وتمسح عن النفوس الصدئة أدران الشقاء، فكان منظرها ذاك بلسما شفى بعض ما بقلبها من أسى ، وجبر بعض ما به من انكسار. ولكن – وفي نهاية الدرب- عاودها الشعور بالحزن والدونية لأنها كانت قد ضيعت كالعادة نصف ما كان بداخلها من ماء.
قال حمال الماء للجرة ذات الصدع :
- أرأيت ؟ . كانت الأزهار من ناحيتك فقط، ولا شيء تقريبا في الناحية الأخرى الموالية للجرة السليمة. لأنني حين رأيت إصابتك و وتسرب المياه منها نثرت بذور الأزهار على طول حافة الدرب حيث تسقط القطرات التي ترشح منك فترويها على أكمل وجه ، وبفضلك ، استطعت قطف باقات رائعة الجمال ، زينت مائدة السيد طوال عامين كاملين ، وما كان لي لولاك أن أجد أزهارا على هذا القدر من الروعة والنضارة.

ترجمة : الضيف حمراوي